أصدر أبناء ولاية وسط كردفان – وعلى رأسهم دار حمر – بيانًا إعلاميًا في 25 أغسطس 2025 أعلنوا فيه موقفهم الواضح والرافض لما يُسمى بولاية غرب كردفان، معتبرين أن عودتها إلى الخارطة الإدارية السودانية بعد إلغائها بموجب اتفاقية السلام الشامل عام 2005 تمثل إعادة تأسيس غير مشروع. البيان شدّد على أن هذه الولاية لا تقوم على أساس تاريخي أو اجتماعي أو ثقافي، وأنها باتت عبئًا على الاستقرار الوطني، ومعبرًا للمليشيات ومصدرًا لتأجيج الصراعات.
هذه القضية لا تتعلق بتقسيم إداري فحسب، بل ترتبط مباشرة بالحرب الدائرة في السودان، بانتهاكات الجنجويد/قوات الدعم السريع، وبالتهميش المزمن الذي يعانيه سكان المنطقة الأصليين.
أولًا: ولاية بلا مقومات
تاريخيًا، لم تُعرف المنطقة كوحدة إدارية متجانسة تحمل سمات ولاية مستقلة، بل كانت جزءًا من الحزام الكردفاني الأوسع. عند توقيع اتفاقية السلام الشامل (CPA) عام 2005، أُلغيت ولاية غرب كردفان لغياب مقومات الاستقرار والهوية المشتركة، ودُمجت أراضيها في ولايتي شمال وجنوب كردفان. لكن عودتها كولاية غرب كردفان عام 2013 لم تكن نتاج إرادة شعبية أو مشاورات مجتمعية، بل فرضت بقرار سياسي أعاد إنتاج الأزمة، وجعلها بيئة خصبة لتدخل المليشيات وانتشار السلاح، فتحولت إلى وحدة إدارية مفككة بلا هوية أو انسجام اجتماعي.
ثانيًا: دار حمر – السكان الأصليون للمنطقة
في خضم هذا الجدل، يبرز صوت دار حمر بوصفه الممثل الأصيل لولاية وسط كردفان وسكانها الأصليين. دار حمر ليست مجرد مجموعة سكانية، بل كيان اجتماعي وثقافي متجذر في الأرض، له تاريخه الممتد في حفظ الموارد وتشكيل الهوية الكردفانية الوسطية المتجانسة.
أبناء هذه المنطقة يؤكدون أن لهم الحق التاريخي والطبيعي في الإدارة الذاتية العادلة عبر ولاية وسط كردفان، بعيدًا عن التوظيف السياسي والمليشياوي. بالنسبة لهم، فإن فرض ولاية غرب كردفان يعني تذويب هويتهم وتحويل أرضهم إلى مسرح صراع يخدم أجندات خارجية لا تعبأ بمصالح أهل المنطقة.
ثالثًا: الحرب وتفكك الدولة
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (المعروفة بجذورها في مليشيات الجنجويد) في أبريل 2023، تحولت كردفان ودارفور إلى ساحات حرب مفتوحة. وفق تقارير الأمم المتحدة (أغسطس 2025):
- تجاوز عدد القتلى 40 ألف شخص.
- شُرد أكثر من 14 مليونًا داخليًا وخارجيًا.
- يعيش قرابة 25 مليون سوداني تحت خط الجوع الحاد.
ولاية غرب كردفان – بحدودها المفتوحة ومجتمعها المفكك – أصبحت ممرًا استراتيجيًا لتجنيد المليشيات ونقل السلاح، مما جعلها مركزًا للفوضى بدلًا من التنمية. هذه الحقيقة جعلت دار حمر ترى أن بقاء هذه الولاية يشكل تهديدًا مباشرًا لمجتمعها وأمنها.
رابعًا: انتهاكات الجنجويد/الدعم السريع في دار حمر
لم تسلم مناطق دار حمر بوسط كردفان من بطش قوات الدعم السريع (الجنجويد)، إذ تحولت إلى ساحة انتهاكات ممنهجة تستهدف السكان الأصليين بشكل مباشر:
- التجنيد القسري: استهدفت المليشيات شباب دار حمر، حيث أُجبر كثيرون على حمل السلاح والزج بهم في جبهات القتال، ما أدى إلى تفكيك البنية الاجتماعية وحرمان المنطقة من طاقتها البشرية.
- نهب الموارد: تعرضت مناطق الزراعة والرعي في دار حمر لاعتداءات متكررة، شملت سرقة الماشية وحرق القرى ونهب الأسواق، ما دفع مئات الأسر للنزوح.
- الاعتداء على المدنيين: وثقت إفادات الأهالي حوادث قتل عشوائي وإعدامات ميدانية في القرى، إضافة إلى استهداف النساء والأطفال في هجمات مسلحة بغرض الإرهاب والترويع.
- تدمير النسيج الاجتماعي: عبر إشعال الفتن القبلية، سعت هذه القوات لتفكيك وحدة دار حمر واستخدامها كخزان بشري للحرب.
هذه الانتهاكات جعلت من دار حمر مثالًا حيًا على خطورة وجود ولاية غرب كردفان بصيغتها المفروضة، إذ تحولت المنطقة من فضاء للاستقرار والإنتاج إلى مسرح لانتهاكات جسيمة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
خامسًا: البعد السياسي والأمني
يرى مراقبون أن ولاية غرب كردفان أصبحت بؤرة تهديد للأمن الوطني بدلًا من أن تكون أداة للاستقرار. غياب التجانس الاجتماعي فتح الباب واسعًا أمام المليشيات لتوظيف سكانها في مشاريع الحرب، بينما تركت مجتمعاتها الأصلية – وعلى رأسها دار حمر – بلا حماية ولا تنمية. وفي المقابل، فإن ولاية وسط كردفان، بما تحمله من تجانس اجتماعي وعمق تاريخي، تبدو أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة إذا أُعطي سكانها حق الإدارة الذاتية.
سادسًا: حق تقرير المصير الإداري
في ظل هذا الواقع، يصبح مطلب أبناء دار حمر بالتمسك بولاية وسط كردفان أكثر من مجرد مطلب إداري؛ إنه حق وجودي وحماية لهويتهم واستقرارهم. فالإصرار على بقاء ولاية غرب كردفان يعني استمرار حالة الفوضى وتغذية الحرب، بينما العودة إلى ولاية وسط كردفان تعني منح السكان الأصليين القدرة على إدارة شؤونهم بعيدًا عن الاستغلال السياسي والعسكري.
دار حمر تعلن بوضوح: لن نُختزل في ولاية مصطنعة ولا نُستَخدم وقودًا لحرب لا تعنينا.
خاتمة
أزمة غرب كردفان تكشف جوهر معضلة السودان: كيانات إدارية صُنعت لخدمة السياسة لا لخدمة الشعوب. لكن الشعوب، مثل دار حمر، تظل صاحبة الكلمة الأخيرة. وبين مشروع وُلد باطلًا ويستمد حياته من المليشيات، وكيان أصيل متجذر في التاريخ والهوية، يبدو أن البقاء لن يكون إلا للشرعية الاجتماعية، لا للهندسات المصطنعة. وان ما بُني على باطل سيزول، وما عاد بغير حق، سيذهب بغير أسف.
اقرأ ايضا: دولة النهر والبحر: معركة الوجود والهوية السودانية

