Site icon الديوان

الأيادي المرتعشة في بورتسودان : تخبط البرهان في تعيين الوزراء والحكومة

البرهان

البرهان

في ظل الأزمة السياسية والأمنية المتفاقمة التي تعصف بالسودان، يبرز تخبط الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، كواحد من أبرز ملامح الفشل في إدارة المرحلة الانتقالية. إذ تتعدد قراراته المتناقضة في تعيين الوزراء، وتغيب الرؤية السياسية الواضحة خلف تلك الخطوات المرتبكة، ما يعمق فقدان الثقة الشعبية في قيادته.

البرهان وتعيينات متضاربة تعكس الارتباك

في 30 أبريل 2025، أصدر البرهان قرارًا بتكليف السفير دفع الله الحاج علي بتسيير مهام رئيس مجلس الوزراء، إلى جانب تعيين عمر صديق وزيرًا للخارجية. لم تكد تمر أسابيع، حتى تسربت تقارير عن نية البرهان تعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء بصلاحيات تنفيذية واسعة، في خطوة فسّرها المراقبون كتراجع صريح عن قراراته السابقة، وتأكيد جديد على حالة التخبط في قمة هرم السلطة.

توالي هذه القرارات المتناقضة، دون إجراءات فعلية لتنفيذها، يعكس غياب الاتساق والتخطيط داخل دوائر القرار السيادي، بل ويشير إلى وجود خلل هيكلي في من يدير الدولة من خلف الكواليس.

البرهان تحت ضغوط داخلية وصراعات نفوذ

لا يتحرك البرهان في فراغ سياسي، بل يعاني من ضغط مكثف يمارسه عليه قادة الحركات المسلحة المنضوية تحت اتفاق جوبا، وعلى رأسهم مني أركو مناوي، جبريل إبراهيم، مالك عقار، اضافة الى الفريق أول شمس الدين كباشي والذي عُرف عنه ميوله للوقوف في صف حلف اتفاق جوبا لأسباب عرقية. هؤلاء القادة، والذين يمثلون ما يُعرف إعلامياً بـ”محور الهامش”، لا يخفون طموحاتهم في توسيع نفوذهم التنفيذي، وإحكام قبضتهم على موارد الدولة عبر الوزارات والمجالس.

إلى جانب هذا، يتعرض البرهان لضغط خفي من قواعد هذه الحركات، التي تعتمد على مرجعيات عرقية وجهوية ترتبط بأبناء القبائل التي تشكل عمق الحركات المسلحة. وتكمن خطورة هذا الواقع في أن التنازلات التي يقدمها البرهان قد لا تكون وطنية الطابع، وإنما استرضاءات آنية تُضعف المؤسسة المركزية ولا تعالج جوهر الأزمة.

غياب رؤية سياسية وتآكل ثقة في البرهان

التخبط المستمر في تعيين الوزراء، إلى جانب التراجع غير المبرر عن قرارات تم إعلانها رسميًا، يعكس عجز البرهان عن بلورة رؤية سياسية متماسكة للمرحلة الانتقالية. هذا الغياب يخلق فراغًا في رأس الدولة، يملؤه المتصارعون حول المصالح الفئوية والمناطقية.

ومع استمرار هذه الحالة، تتآكل الثقة الشعبية بشكل متسارع، خاصة أن السودان يمر بلحظة تاريخية حساسة تتطلب وضوحًا في القيادة، وإرادة سياسية تتجاوز الحسابات الفئوية لصالح بناء دولة حديثة مستقرة.

اقرأ ايضا: تنظيم الكومولو : من رحم الإقصاء المتخيل ومشروع تجريف الشمال السوداني

استشراف للمستقبل: تمرد الجنجويد الجدد ؟

إذا استمر البرهان في نهجه المرتبك، وعدم حسمه لتمدد الحركات المسلحة والأصوات المعارضة لسيادة الدولة ومصالح المواطنين ووجودهم، فإن الوضع سيصل حتمًا إلى لحظة الصفر، شبيهة بتمرد الدعم السريع في 15 أبريل 2023، ولكنها ستكون أكثر عنفًا ضد الجلابة وموطني الشمال السوداني العريض. الحركات المسلحة التي فقدت أرضها في دارفور ستسعى بكل قوتها للبحث عن أرض جديدة ومشروع جديد، وهي أراضي الجلابة وسكان النيل، الذين يتم الترويج لهم الآن كوافدين تمهيدًا لسردية حرب تهجير وتغيير ديموغرافي، حسب مراقبين محليين ودوليين. هذا السيناريو المظلم يهدد الأمن والاستقرار في الشمال، ويزيد من احتمالية انزلاق السودان إلى دوامة عنف لا تنتهي.

الصدام الداخلي المتوقع بين المؤسسة العسكرية النظامية والحركات المسلحة بات أقرب من أي وقت مضى، حيث تزداد هذه الحركات تمردًا وتمددًا عسكريًا وسياسيًا يضعف قدرة الرئيس البرهان على تنفيذ قراراته ويفرض واقعًا جديدًا على الأرض خارج نطاق السيطرة الرسمية. هذا التمرد المتصاعد من قبل الحركات المسلحة ينبع من توتر مستمر في مناطق الوسط والشمال والشرق، التي تعاني منذ ضم إقليم دارفور عام 1917 من اضطرابات متكررة وانعدام للأمن.

نوايا الحركات المسلحة أصبحت واضحة للجميع؛ فهي تستغل الحرب للتوسع، واستهداف المدنيين، والتموضع في مواقع استراتيجية، واحتلال الأراضي ومناجم الذهب، وفرض الأمر الواقع بالقوة. وفي ظل هذا الواقع، تبرز الحركات المسلحة كطرف متمرد يرفض الخضوع للسلطة المركزية، مما يفاقم الأزمة السياسية ويهدد بانهيار مؤسسات الدولة بشكل كامل. هذا التمرد المتواصل دفع العديد من أبناء النيل الأبيض، وخصوصًا قبيلة الجلابة، إلى المطالبة بالانفصال كخيار حتمي لمواجهة التهديدات الوجودية التي تفرضها هذه الحركات المسلحة على أمن واستقرار المناطق الآمنة.

استغلال الفوضى: تمدد الحركات المسلحة في العاصمة والمناجم

في خضم هذا المشهد المرتبك، تستغل بعض الحركات المسلحة حالة الفوضى والفراغ السياسي لتعزيز مكاسبها العسكرية والاقتصادية. وبدلاً من التوجه نحو تحرير دارفور أو حماية مناطقهم التاريخية، تركز هذه الحركات على التجنيد في الكنابي، والأحياء الطرفية، وأحزمة الفقر السوداء في العاصمة والمدن الشمالية.

بموازاة ذلك، تمددت هذه الحركات في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور، وجبال النوبة، وشمال كردفان، حيث أصبحت تفرض واقعًا اقتصاديًا موازياً عبر قوات غير نظامية منفصلة عن مؤسسات الدولة. هذا التمدد يتم في تجاهل تام لدورها المفترض في حفظ الأمن أو محاربة التمرد الجنجويدي، ما يجعل من استعادتها إلى مسار الدولة مهمة ملحة.

أزمة قيادة تفتح أبواب الاحتراب

إن تخبط البرهان في إصدار قرارات متناقضة، وتعيين شخصيات دون تنفيذ حقيقي أو وضوح في الصلاحيات، يعكس أزمة قيادة تتطلب المعالجة الجذرية. استمرار هذه الفوضى السياسية لا يهدد فقط المرحلة الانتقالية، بل يفتح الباب أمام نشوء كيانات موازية، وتحول الشركاء إلى خصوم، بما يعمّق الفوضى ويهدد باندلاع نزاع جديد بين المكونات العسكرية والسياسية.

السودان اليوم بحاجة ماسة إلى قيادة تمتلك رؤية وطنية شاملة، قادرة على توحيد الصف، وتحديد الأولويات، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس سيادة القانون والعدالة لا المحاصصة.

اقرأ ايضا: قراءات اليقظة : قراءة لمقال “نحو إمبراطورية كوش الكبرى لا دويلات”

Exit mobile version