لماذا لم يعد الإسلام وحده كافيًا لتشكيل كيان سياسي موحد؟ وما هو اساس بناء الدولة الجديدة
لطالما كانت مقولة “الإسلام أمي وأبي” واحدة من أبرز الأدبيات التي تبنتها الحركات الإسلامية في المنطقة، ساعية لتأسيس مشروع سياسي يتجاوز الحدود الجغرافية والعرقية لصالح رابطة دينية كبرى. غير أن هذه السرديات، ورغم عمقها الروحي، أثبتت فشلها في مواجهة الواقع المركب لمجتمعات ما بعد الاستعمار، خاصة في السودان، حيث لا تزال الانتماءات العرقية والتاريخية أكثر نفاذاً في تشكيل الاجتماع السياسي من مجرّد الرابطة الدينية.
الإسلاميون والقفز فوق الواقع
لطالما حاول الإسلاميون طمس تأثير الهوية العرقية والنسب واللغة، بتغليفها بوحدة دينية شاملة. لكن هذه المحاولة اتضح أنها سردية سطحية لا تصمد أمام وقائع الاجتماع السياسي. فالمجتمعات لا تتشكل فقط بالإيمان المشترك، بل تتكوّن وفق تعقيدات الثقافة، والأرض، واللغة، والانتماء التاريخي. التوهم بأن “الإسلام وحده يكفي” لإنشاء كيان سياسي جامع، هو أساس فشل مشروع الوحدة الإسلامية في السودان.
اقرأ ايضا: خروج حركات دارفور المسلحة قضية رأي عام : جريمة الدبة !
النبوة والقبيلة: قراءة في النموذج الأول
حتى في النموذج النبوي، نجد أن العامل القبلي والعائلي لعب دوراً حاسماً في تمكين الرسالة. النبي ﷺ استند في دعوته على نسبه القرشي الهاشمي، وعلى سند عشيرته الأقربين، الذين وفروا له الحماية والدعم السياسي والاجتماعي. ومنذ بدء الدعوة وحتى فتح مكة، كان التكوين السياسي للنبي ﷺ قائماً على احترام القبائل، وتنظيم الكتائب وفق الأعراق والعشائر، كما ظهر بجلاء في فتح مكة حيث دخل ﷺ المدينة كتائب مرتبة بأسمائها القبلية.
الخلافة بعد النبوة: السياسة في مجرى النسب
بعد وفاة النبي ﷺ، لم يكن الإسلام المجرد هو المعيار في اختيار الخليفة، بل امتزج ذلك بعناصر النسب والمكانة القبلية. اختار الصحابة أبا بكر الصديق لفضله ومكانته القرشية. وتواصلت هذه البنية في الدول التالية؛ فالدولة الأموية كانت دولة بني أمية، والعباسية دولة بني العباس، وكل منهما حكمت عبر آلية النسب. لم يكن الورع أو العلم أو الإيمان هو معيار الإمارة، بل كان النسب سيد الموقف.
السودان وواقعية الاجتماع السياسي
في السودان، كما في غيره من الدول الإفريقية، لم ينجح الإسلام في توحيد الشعوب ضمن دولة واحدة. السودان لم يكن يوماً مجتمعاً موحداً على أساس الدين. الإسلام موجود من شرق إفريقيا إلى غربها، لكن لم تتوحد شعوب هذه المنطقة في كيان واحد. الدين لم يكن يوماً كافياً لصناعة الدولة، كما لم توحد المسيحية دول أوروبا الكاثوليكية أو البروتستانتية.
اقرأ ايضا: العودة إلى سنار : دعوة لتأسيس الحلم من الجذور
منطلقات الدولة الجديدة
مشروع الدولة الجديدة لا ينطلق من سرديات أممية أو عاطفية، بل من فهم واقعي لتكوين الشعوب. نحن نؤمن بأن الهوية، الثقافة، اللغة، والتاريخ السياسي المشترك، هي الركائز الحقيقية التي تُبنى عليها الدول. عقدنا الاجتماعي لا يقوم على الدين وحده، بل على احترام التباينات، والاعتراف المتبادل، وتسليم كل مجموعة بملكية أرضها ومواردها، وبأن السيادة السياسية ليست امتداداً للقبيلة، بل تنبثق من مؤسسات الدولة الحديثة.
لا وحدة مع المعتدين
بوضوح، نؤكد أن مشروع الدولة الجديدة لا يمكن أن يتقاطع مع المجموعات القبلية التي غزت بلادنا ومارست الإجرام والإرهاب بحق شعبنا. سواء كانت عربية أو زنجية، من الغرب أو الجنوب، فإن الدماء التي أريقت تضع حداً لكل فكرة عن وحدة وهمية. كما طرد النبي ﷺ يهود المدينة بعد خيانتهم، نحن نرفض أن نُجمع في كيان سياسي مع من ذبحوا أطفالنا، ولو دخلوا الجنة أفواجاً.
خاتمة: السلام لدولتنا القادمة
لقد انتهى زمن الإنكار، وزمن الخضوع لسرديات لا تعبّر عن واقعنا المركّب. الدولة الجديدة هي مشروع العدالة التاريخية، والعودة إلى الذات، وكتابة مصير جديد لأهلنا. نمد السلام لكل من شاركنا الأرض والدم والحلم. ونعلنها بوضوح: لا وحدة بلا احترام، ولا دولة بلا عقد اجتماعي عادل، ولا مستقبل بلا تحرّر من قيود المشروع القومي الإسلامي المهزوم.
اقرأ ايضا: عمسيب: الانفصال دواء مُرّ… وعداء الإمارات مقامرة بمصير السودانيين – حوار
وانت.. ماذا تعتقد؟
مقال: اول