Site icon الديوان

الشمال بين الغفلة والتهديد: عداء الهامش ومخططات الإبادة والاستيطان

مشاريع الهامش وتهديد الشمال

مشاريع الهامش وتهديد الشمال

(مشاريع العطاوة والزغاوة: من الاختراق إلى الاحتراق)

يجب على مجتمعاتنا في وسط وشمال وشرق السودان أن تعي وتدرك وضعيتنا التاريخية الخطيرة ومصيرنا المجهول بين مشروعين كبيرين يتنافسان علينا وعلى الجغرافيا الكبرى التي تتمدد عليها قومياتنا. مشاريع تم التأسيس لها سراً عبر نخب قبلية، وقيادات أهلية، وقادة عسكريين، وداعمين دوليين. هذه المشاريع تمثل في حقيقتها الطبيعة البشرية المبنية على حب الذات، وحب التملك، والتوسع، ونزع المكاسب من الآخر، وصناعة ذات أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً ولو على أشلاء ودماء أمم أخرى.

الحقيقة أن العالم ليس ساحة للعدل والنزاهة، بل غابة يسود فيها القوي والمستعد، ويهلَك فيها الغافل والضعيف. مشروعان يتصارعان منذ أمد طويل، بدأ بالجغرافيا الدارفورية، وانتهى بسرديات تدفع قوى الهامش للاستيلاء على جغرافيا وسط وشمال السودان، حيث النهرين والبحر والذهب والأرض والتاريخ والمستقبل.

المشروع الأول: #دولة_العطاوة_الكبرى
هذا مشروع قديم تم نحته سراً في العقل الجمعي لنخبة عربان وسط وغرب أفريقيا منذ أواخر السبعينات، ومن ثم صقله وتشكيله رسمياً في الثمانينات عبر اجتماعات (التجمع العربي في دارفور)، الذي كان حلقة الوصل بين عربان دارفور، وغرب وجنوب كردفان، وعشائر العرب في تشاد والنيجر، وأفريقيا الوسطى، ومالي، والكميرون.

تم التنسيق في اجتماعات عالية السرية لتضمين المشروع على هيئة رؤية استراتيجية بعيدة المدى من منتصف الثمانينات تنتهي في 2020، بوصول قيادات التجمع العربي بدارفور إلى السلطة تماماً في الخرطوم، ثم بدء المشروع الاستيطاني الكبير الهادف لتهجير ملايين العرب الرحل من أقاصي غرب ووسط أفريقيا إلى المناطق الغنية بدارفور وكردفان والأراضي الخصبة حول النيل.

وبناءً على هذه الخطة تمّ اختراق مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والسياسية وصولاً إلى منظومة الدعم السريع 2013، والتي انتهت إلى انقلاب 2023، أحد أكبر الكوارث الاجتماعية والجرائم ضد الإنسانية في تاريخ أفريقيا، بمشاركة أكثر من 400 ألف من العطاوة وعشائر جنيد، المنتشرة من أطراف كردفان ودارفور إلى آلاف المستنفرين من الهامش الأفريقي في 5 دول!

هذا الانقلاب لم يكن انقلاباً سياسياً أو عسكرياً كما يروّج له كثير من الحمقى والطبقة التافهة من المثقفين والإعلاميين، بل هو مشروع اجتماعي وثقافي كبير، مبني على:

المشروع الآخر الذي نواجهه هو: #دولة_الزغاوة_الكبرى
وهو مشروع ليس اعتباطياً ولا خبط عشواء، بل هو رؤية سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية، مبنية على سردية ثقافية أن (الزغاوة) هم أصحاب حضارة كوش، وأنه عبر العقود تم هزيمتهم وتفكيك مملكتهم وهجّروا نحو شمال دارفور وتشاد، حيث أسسوا (حواكير) حافظوا بها على الوعي الاجتماعي والنقاء العرقي لمجتمعاتهم حتى موعد عودتهم إلى أراضيهم التاريخية حول النيل، خاصة مناطق الشمالية ونهر النيل.

لذلك، منذ سنوات طويلة بدأوا مشروعاً كبيراً للتهجير والاستيطان في مناطق الجزيرة وسنار ونهر النيل والشمالية، هجرات ليست فردية محدودة كهجرات الأفارقة نحو أوروبا للعمل ورغد العيش، بل هجرات اجتماعية كبيرة ومخطط لها ومدعومة تحت أغطية سياسية واجتماعية (الكنابي / العمل / الزراعة / التجارة / التعدين / النزوح والهروب من مناطق النزاع في الهامش).

هذه الظاهرة حقيقية وستنتهي إلى تراكم مئات الآلاف من الزغاوة وحلفائهم من المساليت، وتكاثرهم، والتأسيس لتغيير ديموغرافي ضخم في هذه المناطق، انتظاراً للحظة الصفر التي سيتم فيها (الانقلاب) الكبير؛ الانقلاب العسكري والاجتماعي والسياسي. حينها لن تكون المعارك في سهول دارفور ولا صحراء الشمالية، بل ستتطاير الذخيرة ونيران الرصاص بين أزقة الأحياء وشوارع المدن، وقتها سيكون لصاحب الغلبة الديموغرافية في الهامش اليد العليا، وليت قومي يعلمون..!

مجتمعاتنا تجهل أن التاريخ يذهب لمن يملك السلاح، لا الأخلاق! ويبدو أن حلم #الدولة_الجديدة سيتحقق على شلالات الدماء وتضحيات الآلاف مرة أخرى، بصورة ستكون أكثر حدة وسوءاً ودموية، من انقلاب العطاوة، ومن سنوات الجنجويد، وجهادية التعايشي السود!

لقد آن لمجتمعات الشمال أن تصحو من غفلتها، قبل أن تبتلعها نيران مشاريع الهامش التي تُحاك بذكاء وتُنفّذ بصبر شديد. ما نواجهه اليوم ليس مجرد خلاف سياسي أو صراع مصالح، بل مشروع وجودي يسعى لتفكيك هويتنا، وإعادة رسم الجغرافيا والديموغرافيا بقوة السلاح والسرديات المصنوعة. إن البقاء لم يعد للأقوى عتادًا فحسب، بل للأوعى خطرًا، والأسرع في قراءة الواقع واتخاذ الموقف الحاسم. إن لم نتحرك اليوم، فقد نستيقظ غدًا على وطنٍ لا يشبهنا، وتاريخٍ لا يحمل أسماءنا.

اقرا ايضا: بيان انطلاق مشروع دولة النهر والبحر : دعوة للسلام وتقرير المصير في السودان

Exit mobile version