Site icon الديوان

العشوائيات في السودان: مهددٌ أمني واجتماعي يجب اقتلاعه من الجذور

العشوائيات في السودان

العشوائيات في السودان

تمثل العشوائيات في السودان أحد أخطر التهديدات المضمرة لكيان الدولة ومؤسساتها الأمنية والاجتماعية. لم تعد القضية محصورة في غياب الخدمات أو العشوائية العمرانية، بل تحوّلت إلى مصدر مباشر للمعلومات الاستخباراتية التي تُستغل في استهداف قيادات الجيش والقضاء، ومرتعٍ للجريمة المنظمة بمختلف أشكالها.

يستعرض هذا المقال الأبعاد الأمنية والاجتماعية للعشوائيات، بالأخص في العاصمة الخرطوم وولايات الوسط والشمال، مع الاستناد إلى شواهد ميدانية وإحصائيات موثقة، ويؤكد على أن القضاء على هذا الواقع لم يعد خيارًا تنمويًا، بل أولوية سيادية لحماية الدولة السودانية.

العشوائيات واختراق البنية الأمنية

كل الشهادات والتسجيلات المصوّرة من معارك العاصمة تُثبت أن سكان العشوائيات المجاورة لأحياء الجيش والضباط، مثل العزبة والخيرات وجنوب الحزام، لعبوا دورًا مباشرًا في الإرشاد والنهب، مما يؤكد أن هذه الأحياء لم تكن مجرد متفرج، بل طرف مشارك في التهديد الأمني الداخلي. هذه المشاركة لم تكن عفوية، بل نتيجة طبيعية لوجود كيانات سكنية خارج منظومة الدولة، لا تخضع لقانون ولا لرقابة.

دور العشوائيات في التواطؤ مع الميليشيات أثناء الحرب

كل ضباط الجيش والتجار والقضاة الذين تم استهدافهم في بداية الحرب، تم إرشاد الجنجويد إلى بيوتهم بواسطة سكان العشوائيات في محيط مناطقهم، خصوصًا في بحري وشرق النيل (العزبة ومنطقة الخيرات)، وكذلك جنوب ووسط الخرطوم (مايو وجنوب الحزام). هذه الأحياء لعبت دورًا حاسمًا في إمداد الميليشيا بالمعلومات، مما ساعد في استهداف العناصر النظامية بسهولة، ثم شاركت في موجات نهب لاحقة طالت أثاثات المنازل وممتلكات المواطنين بعد مغادرة الجنجويد.

وقد شاهد الجميع المقاطع المصورة التي توثق قيام سكان هذه الأحياء برمي المنهوبات في الميادين لحظة دخول الجيش، بعد أن ظنوا أنه لن يعود. هذا الدور التآمري يُظهر بوضوح أن بعض العشوائيات لم تكن فقط حاضنة للجريمة، بل شريكًا مباشرًا في خيانة الدولة.

تبرير العشوائيات ابتزاز سياسي مقنّع

من يرفض إزالة العشوائيات أو يبرر وجودها بذريعة التهميش، إنما يكرّس لفكرة أن الدولة لا تملك الحق في فرض القانون. هذا الخطاب المدعوم من بعض الحركات المسلحة والمجموعات العنصرية، يستخدم العشوائيات كسلاح ضغط لتفكيك المدن، وإضعاف سيطرة الدولة المركزية. ما يحدث ليس تعاطفًا إنسانيًا بل تواطؤٌ مع الفوضى باسم العدالة.

الكنابي والأحزمة السوداء: تهديد صامت ومتفاقم

في ولايات مثل الجزيرة وسنار والقضارف والنيل الأبيض، تعيش ملايين الأسر في الكنابي، وهي مساكن تفتقر لأبسط مقومات الحياة المدنية، وتنتج أجيالاً مُهمشة يسهل استقطابها في دوائر الجريمة والعنف. تشير التقارير إلى أن نسبة الجريمة في هذه المناطق تفوق بثلاثة أضعاف مثيلاتها في الأحياء النظامية، ما يجعلها بؤرًا قابلة للاشتعال في أي لحظة، خاصة مع ضعف الرقابة الأمنية وغياب الدولة تمامًا عن تلك المساحات.

ناهيك عن استهداف الجنجويد (قوات الدعم السريع المتمردة) لهذه المجتمعات التي تعتبر مستعدة للقتال بمشاعر سلبية ضد أصحاب الأرض والسكان الأصيلين في الجزيرة فكانوا ضمن قوتهم الضاربة والتي انتقمت من سكان الجزيرة الذين استضافوهم كخطأ استراتيجي وتاريخي جعل هناك وجود لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ من غرب افريقيا ودارفور يحاولون الآن الاستطان ونزع الأراضي من أصحابها الأصيلين.

وبعد طرد الجنجويد من هذه المناطق تبنت الحركات المسلحة هذه المجتمعات وأعطتها مشروعية وبدأت بتسليحها ودمجها في قواتهم باعتبارهم من نفس مكوناتهم القبلية، ما يخلق قنبلة موقوته حقيقية تهدد أمن وسلامة وامان المجتمعات في هذه المناطق وجميع مناطق العرب او ما يسمون بالجلابة في الشمال والوسط والشرق.

اقرأ ايضا: نزع السلاح في السودان : لماذا يُنزع سلاح الشمال والوسط ويُترك للمليشيات؟

العشوائيات تقوّض المدن ويُفجّر الغضب الاجتماعي

أكثر من 35% من سكان الخرطوم يعيشون في مساكن غير مخططة، و60% منها بلا خدمات أساسية. هذا الواقع يُعطّل أي مشروع تنموي، ويغذي مشاعر الغبن الطبقي والجهوي، ويخلق بيئات مضادة للدولة تُستخدم سياسيًا بشكل منهجي من قبل القوى التي تعادي استقرار البلاد. العشوائيات تفصل المواطن عن الإحساس بالانتماء، وتربّيه في ظل قانون بديل: قانون الغلبة والقوة والتهريب.

دروس من الخارج: تجارب ناجحة في مواجهة العشوائيات

دول عديدة خاضت معارك ضد العشوائي، ونجحت في تحويله إلى أحياء حضرية آمنة. في مصر مثلاً، أدى تفكيك العشوائيات إلى خفض الجريمة بنسبة 40% خلال خمس سنوات. المغرب أنشأت برامج “مدن بدون صفيح” ونجحت في تسوية أوضاع آلاف الأسر. السودان بحاجة ماسة لتبنّي استراتيجية مشابهة، تقوم على الإزالة الكاملة مع توفير بدائل قانونية، وتفكيك السكن العشوائي واعادة اللاجئين الى مناطقهم الأصلية.

خاتمة: لا دولة بدون مدن آمنة

العشوائيات ليست مجرد تحدٍ عمراني أو خدمي، بل تهديد وجودي للدولة السودانية. استمرارها يعني السماح بتفريخ الجريمة، وتهديد الجيش، واستهداف القضاء، وتعطيل المدن. إن إزالة العشوائيات، لا سيما في الخرطوم وولايات الوسط والشمال، لم تعد مسؤولية البلديات أو وزارة التخطيط فقط، بل واجب وطني وسيادي.

لا بد من قرارات جادة، شاملة، تُنهي هذا التهديد، وتعيد فرض هيبة الدولة وهيكلها المدني. المدن لا تُبنى بالمجاملات ولا بالتسويات السياسية، بل بالقانون. ولابد أن يكون واضحًا: إما دولة، أو فوضى تأكل الجميع.

اقرأ ايضا : الأسئلة المصيرية : تحديات العودة والتعافي

Exit mobile version