Site icon الديوان

تنظيم الكومولو : من رحم الإقصاء المتخيل ومشروع تجريف الشمال السوداني

تنظيم الكومولو

تنظيم الكومولو

في فبراير 2025، شهدت العاصمة الكينية نيروبي توقيع ما سُمي بـ”اتفاق نيروبي” بين ما يُعرف بـ”حركة قريش” وعدد من الحركات الدارفورية المسلحة، على رأسها حركة العدل والمساواة. لم يكن هذا الاتفاق مجرد تنسيق ميداني بين مجموعات متمردة، بل جاء تتويجًا لتحالف أيديولوجي ممتد، يُجسد الوجه الجديد لمشروع السودان الجديد، بقيادة تنظيم يُعد الأخطر على النسيج الوطني السوداني: تنظيم الكومولو.

ما هو تنظيم الكومولو؟

تنظيم الكومولو ليس حركة حديثة النشأة، بل هو امتداد لأفكار يسارية أفريقية ظهرت في سبعينيات القرن الماضي داخل أروقة جامعة الخرطوم، وتركزت في أوساط طلاب جنوب السودان. وقد نشأ التنظيم متأثرًا بالفكر الماركسي اللينيني، ممزوجًا بنزعة أفريقية قومية، وتبلور لاحقًا داخل هيكل الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق.

المعنى الحقيقي لكلمة “كومولو”

كلمة “كومولو” تعني بلغة ميري (وهي إحدى لغات جنوب السودان) “أبناء الأعمام”، وهو معنى ذو بعد اجتماعي يعبّر عن رابطة دم وأخوة عشائرية. وأي تفسير آخر – كاعتبارها تعني “الثوار” أو “أبناء النضال” – هو من باب الاجتهادات غير الدقيقة التي لا تستند إلى مصدر لغوي موثوق.

ومع ذلك، فقد أعاد التنظيم توظيف هذا المصطلح في سياق أيديولوجي خاص، ليصبح شعارًا لجماعة تنظر إلى نفسها كعصبة متميزة تقود مشروع تغيير جذري في السودان، انطلاقًا من مفاهيم تتجاوز المعنى الأصلي للكلمة.

اقرأ ايضا: خروج حركات دارفور المسلحة قضية رأي عام : جريمة الدبة !

التكوين الأول: من الفكرة إلى الكيان

من رحم الشعور بالغبن، ومن وعي قبلي مقنع بلبوس سياسي، نشأ تنظيم الكومولو كتنظيم سري مغلق، يخدم بالدرجة الأولى مصالح قبيلة معينة ومكون اجتماعي محدد. هذا التنظيم لم ينشأ استجابة لتهميش حقيقي أو حرمان ممنهج، بل تأسس على فكرة مصطنعة للتهميش استُخدمت كأداة لتبرير تكوين كيان عنصري قبلي مسلح، يسعى لتمكين جماعات محددة على حساب بقية مكونات المجتمع السوداني، من خلال الابتزاز السياسي والخطاب العرقي والتحالف مع السلاح.

بدعم مباشر من الراحل يوسف كوه مكي، كأخٍ أكبر وملهم، اجتمع هؤلاء الشباب مع آخرين من خلفيات مختلفة، منهم معلمون وموظفون وعمال في كادقلي، وبعضهم من خريجي مدرسة كادقلي الثانوية (تلو). وبعد نقاشات مستفيضة، تبلورت قناعة جماعية بضرورة تأسيس تنظيم سياسي خاص بأبناء النوبة، مستفيدين من تجارب مماثلة مثل “نهضة دارفور”، و”مؤتمر البجا”، و”اتحاد الفونج”.

كان حزب الاتحاد الاشتراكي هو الإطار السياسي الوحيد المسموح له بالعمل حينها، فتم اللجوء إلى بناء تنظيم داخلي غير معلن يضم النوبة فقط، ويركز على القضايا الخاصة بالمجتمع النوبي من الداخل، في نموذج انفصالي ناعم زرع فكرة أن النوبة يحتاجون لحماية أنفسهم من الدولة، لا الانخراط فيها.

المبادئ التأسيسية ودستور الكومولو

بُني التنظيم على مجموعة من المبادئ، وتمت صياغة دستور مؤقت على ضوء دساتير طلابية ونقابية سابقة. وكان أبرز ما ورد فيه:

وهذا المبدأ القرآني، في سياقه، يُوظف هنا بصورة انتقائية لتبرير النزعة القبلية وتنظيم كيان سياسي سري لا وطني، بل عشائري النزعة، يخدم جماعة واحدة دون غيرها.

اقرأ ايضا: عمسيب: الانفصال دواء مُرّ… وعداء الإمارات مقامرة بمصير السودانيين – حوار

اللجنة التأسيسية الأولى لتنظيم الكومولو

تم انتخاب لجنة أولى لقيادة التنظيم، وكانت تشكيلتها على النحو التالي:

وقد تم الاتفاق منذ البداية على أن هذا التنظيم لا يُنسب لشخص بعينه، بل هو نتاج جهد جماعي من “الجيل الأول” للكومولو، وهم المؤسسون الحقيقيون له. وعلى الرغم من أن بعض الأسماء لم تُذكر هنا بسبب ضعف الذاكرة، إلا أن المقالات القادمة ستسعى لتوثيقها بدقة.

أيديولوجية الكومولو: عدالة مزيفة بثوب الكراهية

رغم ما يرفعه تنظيم الكومولو من شعارات المساواة والعدالة الاجتماعية، فإن جوهره يقوم على قراءة انتقائية وعدائية للتاريخ السوداني، تُحمّل الشمال العربي الإسلامي مسؤولية كافة المظالم التاريخية. هذا الخطاب، الذي يتجاهل تعقيدات الواقع السوداني، يقدم حلولًا تقوم على تفكيك الدولة وإعادة تركيبها وفق مركزية إثنية جديدة تستبدل ما يُسمى “الهيمنة الجلابية” بهيمنة مضادة.

تكمن خطورة الكومولو في أنه يؤدلج المظالم ويحوّلها إلى برنامج عمل سياسي وثقافي، لا يسعى إلى الإنصاف بل إلى الثأر وإعادة تشكيل السلطة على أسس عرقية وهوياتية، لا على قواعد المواطنة والعدالة.

اقرأ ايضا: العودة إلى سنار : دعوة لتأسيس الحلم من الجذور

الكومولو واختراق المركز: الخرطوم هدف استراتيجي

ما حدث في نيروبي ليس معزولًا عن المشهد الداخلي، بل يُعد خطوة متقدمة في استراتيجية تنظيم الكومولو لاختراق المركز السوداني، خصوصًا العاصمة الخرطوم ومناطق الشمال النيلي. هذه الاستراتيجية تشمل:

نيروبي 2025: تحالف الضرورة أم مؤامرة فكرية؟

التحالف المعلن بين الكومولو وحركات دارفور المسلحة في نيروبي 2025 لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة تراكمات وتوافقات أيديولوجية تعود لسنوات. فقد وجد الطرفان في بعضهما شريكًا استراتيجيًا لتحقيق غاية واحدة: إعادة صياغة السودان بطريقة تُقصي المكوّن الشمالي وتُعيد ترتيب هرم السلطة على أسس جهوية وإثنية.

“حركة قريش”، التي تقدّم نفسها كصوت مدني تقدمي من الشمال، ليست سوى حصان طروادة أُعد بعناية لاختراق الشمال من داخله، عبر نخبة يسارية مؤدلجة تم تدريبها وتمويلها للمشاركة في تنفيذ مخطط الكومولو.

لماذا يُهدد الكومولو مجتمعات الشمال السوداني؟

تنظيم الكومولو لا يمثل خطرًا أمنيًا فحسب، بل يشكل تهديدًا وجوديًا عميقًا على هوية وثقافة وأمن الشمال السوداني، وذلك للأسباب التالية:

  1. مصادرة التاريخ: يُروّج الكومولو لسردية مختلقة تلغي إسهام الشمال في بناء السودان وتُلبسه ثوب الجلاد.
  2. إعادة تعريف الهوية الوطنية: باستبدالها بمفاهيم عرقية هجينة تمثل امتدادًا لمشاريع استعمارية قديمة.
  3. تشويه الوعي الجمعي: عبر استغلال مشاعر التهميش لإنتاج جيل لا يرى في الوطن سوى مسرح للصراع.
  4. تدمير التماسك المجتمعي: من خلال تفكيك القبائل والعشائر ومحو رمزية الإدارة الأهلية واستبدالها بقيادات أيديولوجية ممولة.

ما العمل؟ بين المقاومة الثقافية والمواجهة السياسية

الخطر الذي يمثله تنظيم الكومولو لا يُواجه بالعنف، بل بالوعي. ولا يُكافح بالشعارات، بل بالمشاريع الفكرية والتنموية التي تُعيد الاعتبار للهوية الوطنية الجامعة.

إن التصدي للكومولو يبدأ من:

شمس الدين الكباشي: حلقة مشبوهة في مشروع الكومولو

لا يمكن فصل الجنرال شمس الدين كباشي عن المواقف السياسية الملتبسة التي اتخذها في مراحل حاسمة من تاريخ الصراع السوداني، خاصة بعد اندلاع تمرد قوات الدعم السريع، والذي تحوّل إلى حرب إبادة شاملة استهدفت المجتمعات الآمنة في الخرطوم، والجزيرة، وشرق السودان، والشمال النيلي، وأدت إلى قتل وتشريد الآلاف، وارتكاب فظائع يندى لها جبين الإنسانية.

في خضم هذه المأساة، لجأت المجتمعات المتضررة إلى الدفاع عن نفسها بعد أن تخلّت عنها الدولة، فبدأت في تسليح شبابها وتنظيم المقاومة الشعبية لتحرير أراضيها، ورد العدوان عنها. هذا التطور الطبيعي والمنطقي قوبل برفض غريب من شمس الدين كباشي، الذي أعلن مرارًا وتكرارًا موقفًا معاديًا لتسليح أبناء الشمال والوسط والشرق، بحجة أنه يُمثل خطرًا على الدولة.

لكن ذات الجنرال، لم يسبق له أن أبدى قلقًا من تسليح الحركات المسلحة القادمة من الهامش، أو من الدعم السريع نفسه الذي ظل مدججًا بالعتاد الثقيل لعقود، بل كان يتعامل مع تلك القوى بصمت مشبوه، وتواطؤ غير معلن، يصل حد التفاهم والتنسيق في بعض الأحيان.

ازدواجية المعايير: من الذي يحق له الدفاع عن نفسه؟

التساؤل المنطقي الذي يفرض نفسه: لماذا يُعتبر تسليح أبناء الشمال والوسط والشرق خطرًا على الدولة، بينما يُعد تسليح أبناء دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق مشروعًا مقبولًا ومدعومًا سياسيًا ولوجستيًا؟ ولماذا تتحرك أجهزة الدولة لإدانة تسليح المجتمعات الآمنة، بينما تغض الطرف عن تمدد مليشيات الحركات المسلحة، وتُوفر لها الغطاء السياسي؟

الخطير في الأمر أن هذا التيار الرافض لتسليح الشماليين لا يقف عند حدود التحفظ، بل يعمل بجدية على تفكيك أي بنية دفاعية شعبية ظهرت في وجه العدوان. وهو ذات التيار الذي صمت على مجازر الدعم السريع في الخرطوم والجزيرة والقضارف وسنار، بل واكتفى بالحديث عن “خطاب الكراهية” في الوقت الذي كانت فيه قرى بأكملها تُباد، ونساء يُغتصبن، وأطفال يُذبحون على الهوية.

اقرأ ايضا: حركة العدل والمساواة تصف أبو عاقلة كيكل بالعاهرة!

اقتباسات تكشف النوايا

في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام، قال عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي:

“إن انتشار السلاح أفرز وضعاً خطراً يمثل تحدياً مزعجاً للدولة… وخطابات الكراهية التي أفرزتها الحرب غير مقبولة، وتتطلب من الجميع الانتباه… السودان دولة واحدة والشروخ التي حدثت تحتاج إلى معالجات واعية.”

وفي تصريح آخر، قال:

“المناطق التي استعادها الجيش يجب أن تؤول إدارتها للشرطة… نحتاج المقاتلين في مناطق القتال وليس في الارتكازات داخل المدن.”

تُظهر هذه التصريحات بوضوح أن هناك محاولة منظمة لفرز السلاح بين “مسموح” و”ممنوع” على أساس مناطقي وإثني، حيث يُراد من أبناء الشمال والوسط والشرق أن يُسلّموا سلاحهم باسم الدولة والقانون، بينما تُفتح الأبواب أمام الحركات المسلحة وأبناء الهامش لتنظيم أنفسهم تحت لافتات قانونية، أو ضمن مشاريع مثل “الشرطة المجتمعية” أو “الشرطة الموحدة”، التي في حقيقتها ليست سوى مليشيات أعيد تدويرها بلبوس رسمي.

عقار والكباشي: وجهان لعملة واحدة

من اللافت أن تصريحات كباشي تتطابق حرفيًا مع مواقف مالك عقار، الذي لم يُخفِ رفضه المطلق لتسليح أبناء الشمال، وطرح فكرة إنشاء شرطة في المناطق المحررة، بدلًا من السماح ببقاء الكتائب الشعبية التي هزمت الدعم السريع في الميدان. هذا التناغم في الخطاب ليس محض صدفة، بل هو جزء من تيار سياسي وأمني موحد يسعى إلى:

  1. تفريغ تسليح المجتمعات المتضررة من مضمونها الدفاعي؛
  2. إعادة احتكار القوة في يد مكونات “الهامش المسلح”؛
  3. إضعاف الشمال من الداخل لتسهيل اختراقه سياسيًا وثقافيًا وأمنيًا.

الشرطة كأداة خبيثة لتفكيك المقاومة

الخطة المعلنة بإحلال الشرطة محل الكتائب الشعبية المنتصرة هي في حقيقتها مشروع مضاد للمقاومة الشعبية، يتم تنفيذه عبر واجهات رسمية. ما يُسمى بالشرطة الموحدة أو الشرطة المجتمعية، هو غطاء قانوني لمليشيات الحركات المسلحة التي فشلت في كسب المعركة عسكريًا، وتسعى اليوم للعودة من خلال المكر السياسي والمؤامرات.

نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار يدعو إلى إعادة الهيبة لمؤسسات الدولة.. ويقول: وزارة الداخلية تدرب 100 ألف شرطي لمرحلة ما بعد الحرب بطريقة وعقيدة حديثتين

ما يجري اليوم، هو محاولة ناعمة لتجريد مجتمعات الوسط والشمال من حقها في الدفاع عن النفس، وإعادة إنتاج هرم السلطة القديم الذي يحتكر فيه المركز الأمني والبيروقراطي القرار، ويُقصي فيه الإنسان العادي عن تقرير مصيره ومصير منطقته.

اقرأ ايضا: معسكر زمزم للحركات أم للنازحين؟ المعضلة الأخلاقية للحركات المسلحة في الفاشر !

مؤامرة مشتركة: الكباشي، عقار، الكومولو، الحركات المسلحة والجنجويد

التحالف الخفي بين كل من شمس الدين كباشي، ومالك عقار، وتنظيم الكومولو، والحركات المسلحة لا يجب أن يُنظر إليه كمجرد تقاطع مصالح مؤقت، بل هو مشروع طويل الأمد لإعادة هندسة المشهد السوداني، بحيث يتم اقتلاع نفوذ أبناء الشمال والوسط، وتجريم دفاعهم عن أنفسهم، وإعادة تركيب السلطة بأيدي من يحملون السلاح، لا من يحملون الإرادة الحرة.

إن صمت الكباشي على جرائم الدعم السريع، وتبريره لتجريد الشماليين من السلاح، ومسايرته لمخططات تفكيك الكتائب الشعبية، كلها إشارات خطيرة تُؤكد أنه لا يُمثل صوت الجيش، ولا صوت الدولة، بل يُمثل تيارًا مشبوهًا يخدم مشروعاً أكبر من مجرد اختلاف تكتيكي.

خاتمة: الكومولو ليس تنظيماً، بل مشروع احتلال وتغيير ديموغرافي

تنظيم الكومولو لا يحتاج إلى دبابات ليحتل الخرطوم، بل يكفيه أن يحتل الوعي. مشروعه لا يقوم على تحرير المهمش، بل على تجريف الهوية الوطنية واستبدالها بسردية انتقامية لا تؤمن بالتعايش، بل بالإقصاء.

على الشمال أن ينهض لا دفاعًا عن الذات فقط، بل دفاعًا عن السودان ككل. فالخطر لا يهدد الجغرافيا، بل يهدد الفكرة الوطنية ذاتها. ومن دون مواجهة فكرية وسياسية منظمة، قد نجد أنفسنا أمام سودان جديد، لكنه بلا روح، وبلا هوية، وبلا وطن.

مراجع: اول ، ثاني ، ثالث ، رابع ، خامس

Exit mobile version