في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتلاحقة، تبرز مؤشرات ديموغرافية في السودان تثير تساؤلات عميقة حول النمو السكاني المتسارع، خاصة مع تزايد أعداد السكان رغم الفقر، الحروب، وعزوف الشباب عن الزواج. فهل نحن أمام ظاهرة طبيعية… أم عملية منظمة لإعادة تشكيل التكوين السكاني في البلاد؟
تعداد سكان السودان بين الواقع والتقديرات: أين الحقيقة؟
بحسب آخر تعداد سكاني رسمي أجري قبل انفصال جنوب السودان عام 2010، بلغ عدد سكان السودان 39.15 مليون نسمة، منهم 30.89 مليون في الشمال و8.26 مليون في الجنوب. ومع انفصال الجنوب في 2011، توقع المراقبون استقرار أو حتى تراجع نسبي في التعداد بسبب الحروب والفقر. لكن ما حدث كان العكس تمامًا:
- في 2017: التقديرات أشارت إلى 40.7 مليون نسمة.
- في 2022: التقديرات قفزت إلى 48.1 مليون نسمة.
- أما الأمم المتحدة فتشير إلى 50 مليون نسمة في 2024.
- بحسب ورلد ميترك فان التعداد يصل الى 51 مليون نسمة .
هذه القفزة السكانية غير المنطقية، في ظل غياب أي عوامل طبيعية داعمة مثل تحسين المعيشة أو ارتفاع معدلات الزواج والولادة، تثير الريبة.
ظاهرة إعادة التجنيس: هل دارفور بوابة ديموغرافية خلفية؟
تشير الكثير من المعطيات إلى أن إقليم دارفور قد تحوّل لما يشبه “الماعون المفتوح” لإعادة تجنيس وافدين من دول غرب أفريقيا — تشاد، النيجر، أفريقيا الوسطى. حيث أن غالبية القبائل في دارفور تمتد بعمق ثقافي وعرقي عبر هذه الحدود.
هذا التداخل القبلي والعرقي، إلى جانب ضعف الرقابة الرسمية على المعابر الغربية، خلق ثغرة كبيرة يُمكن استغلالها ديموغرافيًا، ما يؤدي إلى:
- تغيير في التركيبة السكانية.
- خلق قوة انتخابية جديدة قد تُستخدم لأغراض سياسية.
- تهديد توازن الهويات الثقافية المحلية.
اقرأ ايضا: من العنصرية إلى الوعي السياسي: قراءة في مفاهيم التعايش والاختلاف
فقر، حروب، وعزوف عن الزواج… فمن أين يأتي النمو السكاني؟
من المعروف أن السودان يعاني من:
- ارتفاع معدلات الفقر.
- عزوف واسع النطاق عن الزواج لأسباب اقتصادية.
- نزاعات مسلحة أودت بحياة الآلاف.
كل هذه العوامل، بحسب منطق النمو السكاني، يجب أن تُضعف معدل التكاثر. ومع ذلك، نحن أمام نمو متسارع لا يتماشى مع الواقع المعاش، مما يعزز فرضية أن هناك “تدفقًا سكانيًا خارجيًا” غير محسوب ضمن عمليات الهجرة واللجوء، يُعاد تجنيسه رسميًا أو عرفيًا.
هل نحن أمام مغالبة ديمغرافية في السودان ؟
المصطلح الذي يُستخدم أحيانًا في الأدبيات السياسية – “المغالبة الديمغرافية” – يشير إلى استخدام التغيير السكاني كأداة ضغط أو تحكم في موازين القوى داخل الدولة. وهذا ما قد يكون جاريًا في السودان، خصوصًا مع تكرار نمط:
- فتح الحدود غير الرسمية.
- التجنيس الصامت أو غير الموثّق.
- غياب الشفافية في التعداد السكاني الرسمي.
- اقرأ ايضا: العودة إلى سنار : دعوة لتأسيس الحلم من الجذور
هل مراجعة ملف الجنسية باتت أولوية وطنية؟
في ظل كل ما ذُكر، تبدو الدعوات لمراجعة سجل الجنسية والمواطنة أمرًا ملحًا، ليس من منطلق التمييز أو الإقصاء، بل لحماية التوازن الاجتماعي والسياسي والديموغرافي في البلاد. تدقيق ملفات التجنيس، مراجعة قوانين الهوية، وضبط الحدود — هي إجراءات لا تعني الانغلاق، بل تعني السيادة، العدالة، والاستقرار.